سيتعجب البعض من عنوان المقال وموضوعه. كيف للأطباء أن يتمكنوا من ابطال عادة سلبية ضارة بالانسان أو مزعجة له أن يوقفوها بشكل طبي سواء جراحي أو ميكروسكوبي أو من خلال دواء معين؟؟ ولكن الطب الحديث والعلم الحديث ربما سيمكن الإنسان فعلا في المستقبل من التوجه إلى الطبيب لطلب إغلاق أو إيقاف عادة التدخين مثلا لديه, أو ايقاف ادمانه لممارسة العادة السرية بعد الزواج, أو غيرها من العادات السلبية التي يعاني منها الانسان نفسه ومن حوله.
وقف العادات السيئة طبيا
هذا التصور خرجت به دراسة جديدة لعلماء بيولوجيا الأعصاب في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة الأميركية تهدف لإيجاد المفتاح الرئيسي في الدماغ الذي يتحكم في العادات.[clear]
وجد الباحثون أن منطقة صغيرة من قشرة الفص الجبهي للدماغ (الفص الأمامي وهو خلف جبهة الرأس مباشرة) ، حيث يحدث فيه معظم عمليات التفكير والتخطيط والتأمل، وجدوها مسؤولة عن التحكم لحظة تلو اللحظة بأي العادات يتم تفعيلها في وقت معين.[clear]
ومن المعروف أن العادات القديمة لا تموت بسهولة لأنها تكون محفوظة في أعماق خلايا المخ، وهذا شيء إيجابي في بعض النواحي لأنه يسمح للدماغ باستغلال الطاقة في أمور أخرى في الوقت الذي يحدث فيه سلوك معتاد بأقل جهد من التفكير مثل قيادة السيارة إلى العمل. لكن في حالات أخرى يمكن للعادات أن تدمر حياتنا. كما يحدث أحيانا أن ما كانت تعتبر في يوم ما عادة مفيدة تستمر حتى لو لم تعد ذات فائدة.
التجربة على فئران المعامل
تمكن فريق معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا من محاكاة هذا السيناريو بإجراء تجارب على فئران تم تدريبها على الجري في متاهة على شكل “T”، وعند وصول الفئران لنقطة معينة تسمع نغمة تحدد ما إذا كانت ستجري يسارا أم يمينا، وعندما تختار المسار الصحيح يتم مكافأتها بحليب الشوكولاتة إذا استدارت يسارا، أو بماء محلى بالسكر إذا استدارت يمينا. ولإظهار أن السلوك أصبح عادة توقف الباحثون عن منح الفئران المدربة المكافأة، ووجدوا أنها استمرت في الجري في المتاهة بشكل سليم. ثم قدم الباحثون للفئران حليب الشوكولاتة وهي في أقفاصها العادية لكنهم خلطوه بمادة كلورايد الليثيوم السامة التي تسبب غثيانا خفيفا، فوجدوا أن الفئران استمرت في الجري يسارا عند سماعها الإشارة لكنها توقفت عن شرب حليب الشوكولاتة!
النتيجة
وبعد أن أظهرت الفئران أن هذه العادة تأصلت لديها بشكل كامل، أراد الباحثون معرفة ما إذا كان يمكن كسرها عن طريق التدخل بجزء من قشرة الفص الجبهي المعروفة باسم (Infralimbic IL). ورغم أن المسارات العصبية التي ترسل شفرات السلوك المعتاد تكون موجودة في أعماق خلايا المخ المعروفة باسم العقد القاعدية، فإنه تبين أن قشرة “IL” ضرورية كذلك لتطور مثل هذه السلوكيات.
التأكيد بعلم الوراثة
وباستخدام علم البصريات الوراثي (optogenetics)، وهو تقنية تسمح للباحثين بتثبيط نشاط خلايا معينة بالضوء، أوقف العلماء نشاط قشرة “IL” لثوان عدة عند تجاوز الفئران النقطة في المتاهة التي تقرر فيها أي طريق ستسلك. وعلى الفور توقفت الفئران عن الجري إلى اليسار (الجانب الذي فيه حليب الشوكولاتة). وهذا يشير إلى أن إيقاف قشرة “IL” حوَّل أدمغة الفئران من “نمط الاستجابة الآلية إلى نمط معرفي أو تشاركي أكثر، يحلل ما الذي يجرون من أجله بالضبط”. وبمجرد كسر عادة الجري نحو اليسار، شكلت الفئران عادة جديدة بالجري نحو اليمين في كل مرة حتى عندما أشير إليها بالتوجه إلى اليسار. وأثبت الباحثون أن بإمكانهم كسر هذه العادة الجديدة مرة أخرى بتثبيط قشرة “IL” باستخدام الضوء. وكانت المفاجأة بأن هذه الفئران استعادت عادتها الأصلية بالجري يسارا عند التأشير إليها بالقيام بذلك.
الخلاصة
ما يعنيه هذا الاكتشاف أنه بالإمكان كسر العادات القديمة لكن لا يمكن نسيانها، فتحل محلها عادات جديدة لكن العادة القديمة تظل كامنة، ويبدو أن قشرة “IL” تفضل العادات الجديدة على القديمة.
التجارب على الانسان
ويقول الباحثون إن أمامهم طريقا طويلا قبل اختبار هذه التقنية على البشر، لكن في نهاية المطاف فإن من الممكن أن تتطور التقنية إلى الدرجة التي قد يصبح فيها التعامل مع العادات خيارا مجديا لمعالجة الاضطرابات التي تنطوي على تكرار مفرط أو سلوك مدمن، وذلك حسب أستاذة المعهد آن غرابيل عضو معهد مانكغوفرن لأبحاث الدماغ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. وهذا مربط الفرس :هل يمكن أن يساهم هذا البحث يوما ما في القضاء تماما ونهائيا على العادات السيئة وخاصة ادمان المخدرات ؟؟