حياة السجين بعد الحرية …
تعرف حياة الأفراد في المجتمع ظروفا صعبة على كافة المستويات , فالظروف الإقتصادية التي تمر منها الدول لها تأثير سلبي على المجتمع وعلى تماسكه وبالتالي تأثرها يمتد للأسرة باعتبارها أصغر تجمع في المجتمع . فتفكك الأسر يؤدي إلى ظهور نماذج جديدة من الظواهر كالفقر , البطالة , الإدمان … وكلها ظواهر رئيسية تعتبر أساس الإنحراف وأساس الجريمة داخل المجتمع . وردهات المحاكم وزنازن السجون مليئة بهذا النوع من المنحرفين الذين تلفظهم الأسر المفككة و المجتمع الفاسد فترمي بهم للسجن كي تسلبهم حريتهم و تعاقبهم على جرائمهم لتفرز لنا في النهاية أشخاصا يطلق عليهم لقب “سجين سابق” و تطمع في المجتمع أن يفتح أحضانه لهم و يعتبر السجن كفارة لأفعالهم.
فهل يستطيع المجتمع استقبال السجين بعد الحرية ؟ و كيف سيتعامل معه هذا المجتمع ؟ و ما دور الأسرة و المحيط في إعادة ادماج السجين السابق ؟
اندماج السجين في المجتمع
نعرف جيدا أن المجتمع لا يرحم..لا يرحم الظالم أو المظلوم , فمجرد دخول السجن و لو لشهر واحد و لو كان المتهم بريئا فإن المجتمع لا يبرؤه أبدا و يحمله لقب “سجين” طوال حياته . أما إذا كان المتهم فعلا مذنبا فإن المجتمع ينفر منه و من التعامل معه بعد خروجه من السجن مهما اختلفت الدوافع التي رمت به خلف القضبان و هذا ما يضاعف من إحباط السجين و يجني على مستقبله.
اندماج السجين داخل الأسرة
إلى جانب معاناة السجين من نظرة المجتمع الدونية له فإنه غالبا ما يعاني أيضا من غياب الدعم المعنوي والنفسي والمادي من طرف الأسرة , فبمجرد إصدار القاضي للحكم تغادر بعض الأسر المحكمة بدون رجعة ودون حتى توديع المتهم..فما بالك باستقباله بعد الخروج من السجن , فهذا النوع من الأسر يتنكر للسجين ويرفض الإعتراف به كفرد من الأسرة معتبرين ذلك عارا سيلطخ سمعة الأسرة . أما إذا كان السجين أو السجينة متزوجا فإن الطرف الآخر غالبا ما يطلب الطلاق قبل انقضاء مدة الحكم ويتخلى عن نصفه الآخر في عز الأزمة.
السجين و رحلة البحث عن عمل
ينقسم السجناء عادة إلى فئتين فئة دخلت السجن بسبب إحدى الجرائم كالقتل أو السرقة .. وما إلى ذلك من الجرائم التي تستغرق عقوبة طويلة الأمد وهو ما يسمح لهم بالحصول على تكوين داخل السجن لكي يحاول السجين إصلاح حياته وأخطائه ويحصل على مورد رزق بعد الخروج من السجن , لكن هؤلاء السجناء يصطدمون بواقع مرير بسبب رفض المجتمع تشغيل ذوي السوابق حتى لو كان يتوفر على مؤهلات وكفاءة مهنية.
أم الفئة الأخرى فهي فئة مثقفة وكانت تشغل مناصب محترمة داخل المجتمع وقادتهم الصدفة والحظ السيء للسجن كإصدار شيك بدون رصيد أو التهرب الضريبي أو اختلاس الأموال…ففي الدول المتقدمة تصدر عقوبات بديلة على هذا النوع من المجرمين بفرض أعمال اجتماعية أو اعتقالهم في منازلهم باستعمال نظام مغناطيسي يوضع على المعصم , غير أن هذه الأدوات المستعملة في تطبيق هذا النوع من الأحكام غير مفعلة في معظم الدول العربية فيتم الزج بهم وسط المجرمين ويتعايشون معهم لأوقات طويلة حتى تصبح تصرفاتهم تحمل شيئا من الإجرام لأن السجون توفر المناخ الملائم لتكوين مجرمين وجانحين فيخرجون أكثر خطورة مما دخلوا عليه و أول ما يحاولون فعله بعد الخروج من السجن هو مواصلة حياتهم كما تركوها لكن للآسف المجتمع لا يقبلهم و لا يقبل بتوظيفهم في وظائف من نفس المستوى قبل السجن بسبب انعدام الثقة لأن الشركات و المؤسسات لا تثق في السجين حتى لو أعلن توبته فيضيع مستقبله كما ضاع ماضيه.
لماذا لا يتقبلهم المجتمع ؟ كيف لا وهو السبب في انحرافهم .. لماذا لا يعتبر السجن مدرسة للتربية والتهذيب ولماذا لا تجتهد الحكومات لجعل هذه المؤسسات تقوم بهذا الدور على أكمل حتى تقوم بتهذيب و إصلاح سلوك المجرمين وتخرج إلى المجتمع أشخاصا صالحين تفتخر بهم أسرهم . وفي المقابل يجب توفير جمعيات ومؤسسات خاصة بمتابعة السجين بعد الحرية وبعد انقضاء العقوبة حتى تساعده على الإندماج في المجتمع سواء من الناحية الإجتماعية أو الإقتصادية و توفير فرص عمل لهم حتى يتلاشى الفرق بينهم وبين باقي الناس . بذل نبذهم و دفعهم للإنحراف مرة أخرى.