الرئيسية - الصحة والحياة - الجينوم البشري : رحلة العلم مع الجينات و الهندسة الوراثية

الجينوم البشري : رحلة العلم مع الجينات و الهندسة الوراثية

في أواخر القرن العشرين وبالتحديد في العام 1999 خرج الرئيس الامريكي وقتها بيل كلينتون معلنا للعالم كله وللشعب الامريكي بالاخص عن توصل العلماء والباحثين في الولايات المتحدة الي رسم وتحديد خريطة الجينوم البشري . هي بالضبط خريطة تفصيلية للجينات والمورثات البشرية التي تميز الانسان بالصفات المختلفة الشكلية والنمطية والشخصية. الجينات تحدد كل شئ تقريبا ولكن للبيئة وظروف الشخص التي يحيا فيها طوال عمره تأثير أيضا لا ينبغي تجاهله.

تحدد الجينات والمورثات هيئة الانسان, لون عينيه واتساعهم ودرجة النظر, ودرجة الذكاء ونوع الذكاء الذي يتميز فيه حيث من الممكن ان يتميز الانسان في الذكاء الحسابي وتقل درجته في الذكاء اللفظي واللغوي. كذلك تحدد الجينات عيوبه الوراثية وقد تعطي انذار او دليل لامكانية تعرضه لمرض ما في مستقبله.

رحلة العلم مع الجينات و الهندسة الوراثية

[image src=”http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/d/d3/Gregor_Mendel.png” width=”200″ height=”100″ title=”الراهب مندل” lightbox=”yes” align=”right” float=”right”]

رحلة العلم مع الجينات بدأت في حديقة دير القديس توماس بمدينة برونو بالنمسا في منتصف القرن التاسع عشر على يد الراهب مندل. كان لا ينعزل في الدير للصلاة والشعائر والتأمل فقط ولكن كان يقوم ببحث علمي حيث كان يزرع البازلاء ويراقبها, وسعي لتهجينها, وتسجيل النتائج. وبذلك وضع بنتائجه أول قواعد علم الوراثة. ولكن لم يهتم العالم بنتائج أبحاث مندل لفترة طويلة ولم ينتبهوا لمدى أهمية علم الوراثة وقتها.

[image src=”http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/e/ea/Mendel_seven_characters.svg/1000px-Mendel_seven_characters.svg.png” width=”200″ height=”100″ title=”أبحاث مندل ” lightbox=”yes” align=”left” float=”left”]

مع بداية القرن العشرين في العام 1900 عثر العلماء على أبحاث مندل وأعادوا النظر فيها لينبهروا بما سجله من نتائج وأفكار. وصلت فكرته عن أن الكروموسومات أو حاملات الجينات هي المسئولة بالتحديد عن نقل الصفات الوراثية للاجيال الاحدث. ومن هنا انطلق العلم لأفاق اخرى أرحب وبلا حدود. استمر العلماء طيلة النصف الاول من القرن العشرين تدور أبحاثهم في فهم طبيعة الجينات الوراثية والعوامل المؤثرة عليها وفي كيفية انتقالها. وبحثوا في مدي تأثير تشوهها.

مع قرب نهاية النصف الاول من القرن العشرين ألقت الولايات المتحدة قنبلة ذرية على هيروشيما واخرى على نجازاكي اليابانية. ظهر جيل مشوه بتشوهات فظيعة في اليابان دعي العلماء للبحث في طريق جديد بعلم الوراثة وهو امكانية اصلاح تلك التشوهات بواسطة علم الوراثة حتى يمثلوا للاجيال الحديثة فرصة افضل للعيش بصحة أفضل واكثر تميزا. ومع بدايات النصف الثاني من القرن العشرين بدأت الرحلة من محطة علم الوراثة الي أفاق علم جديد أسماه العلماء فيما بعد “الهندسة الوراثية”.

[image src=”http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/b/b1/Wheat_blue_sky2.JPG/640px-Wheat_blue_sky2.JPG” width=”200″ height=”100″ title=”زراعة القمح في أراضي مالحة” lightbox=”yes” align=”right” float=”right”]

بدأت اولى أبحاث الهندسة الوراثية في النبات وبالتحديد في الكشف عن الجينات المسئولة عن غذاء النبات واحتياجه للماء. كانت الفكرة هي نقل الجينات التي تمكن نبات ما من النمو في الارض المالحة لنبات أخر لا يعتمد الا على ارض بها ماء عذب. بهذه الفكرة تتاح الفرصة لزراعة أراضي اكثر واوسع لزراعة المحاصيل الاستراتيجية المهمة. وفي العام 1980 توصل العلماء الى أول نبات من سلالة جديدة مهندسة وراثيا. ومن الأبحاث العظيمة في هذا الشأن بحث أشرف عليه عالم مصري عظيم هو الدكتور أحمد مستجير رحمه الله حيث تمكن فريقه من نقل جينات معينة للقمح ليتمكن من زراعته في أراضي بها نسبة ملوحة زائدة وتمكن من زراعة القمح في أراضي مالحة ولكن لا أدري لماذا أهملت الدولة الاستفادة من هذا البحث العظيم حتى الأن.

اذن كان العام 1980 هو البداية الحقيقية أو النقلة بمعنى أصح لأفق جديد أرحب لمجال الوراثة الى هندسة الوراثة. بدأ العلماء في رسم أول جينوم بشري. بدأوا يدرسون ويطبقون نقل جينات تحمل صفات اللون مثلا لنبات ما فينمو القطن مثلا بلون معين غير لونه الابيض الطبيعي وبالتالي لا نحتاج لصباغته بصباغة صناعية تسبب مشاكل صحية وفي نفس الوقت تعطي مظهر جمالي لحقول القطن.

خطوات رسم الجينوم البشري

شاهدنا أعلاه كيف بدأت الرحلة مع الراهب النمساوي العبقري مندل ودراسته لنبات البازلاء وكيف يورث صفاته من خلال الكروموسومات الحاملة للجينات. ثم شهدنا كيف قضى العلماء نصف قرن لدراسة الجينات البشرية وغير البشرية لدراسة تأثيرها وكيفية انتقالها من جيل لجيل. وحتى وصلنا للبداية الحقيقية لعلم هندسة الوراثة في العام 1980 مع أول خطوات رسم الجينوم البشري.

في العام 1986 تم تسجيل أول نبات مستحدث مهندس وراثيا. المعنى أنه نبات يحمل صفات مهجنة من أكثر من نبات أصلي. فعلوا مثلما فعل مندل ولكن بأساليب أكثر تطورا ونجحوا في استنباط سلالات جديدة ونباتات مزدوجة تحمل صفات نوعين من النباتات .

في البداية أضافوا الجين المسئول عن حجم النبات الكبير الي نباتات صغيرة ونجحت التجربة وصار نبات الفراولة في حجم البرتقال , والطماطم في حجم الرمان والخيار زاد حجمه 3 اضعاف ويزيد. وكانت المفاجأة ان التجارب تنجح وتنجح ولكن لم ينتبهوا أن الطبيعة لا تستمر ولا تقبل الا بالتوازن وعندما يتدخل الانسان في احداث نوع من الخلل في مكوناتها ترد هي باحداث التوازن بشكل أخر. وبالفعل حصلنا على فراولة كبيرة الحجم سريعة النمو ولكن بلا طعم . وحصلنا على خيار كبير وبلا رائحة. كان هذا مؤشر ان الطبيعة لن تسمح بتدخل الانسان ليحدث خللا بها الا وسترد بما يضر دائما. ولم بنتبه الانسان وأكمل الرحلة.

فراولة كبيرة الحجم سريعة النمو ولكن بلا طعم

فراولة كبيرة الحجم سريعة النمو ولكن بلا طعم

وعندما قام العلماء بنفس التجارب على بعض أصناف الحشرات بدأوا مع الصرصار المنزلي وبدلوا ونقلوا بعض جيناته بشكل عشوائي وأخضعوها للبحث. أثناء تجاربهم حدث شئ عجيب حيث تعرضت الصراصير الخاضعة للتجارب لفأر بالمعمل بشكل تلقائي وكان العجيب أنها حاصرته وأكلته وهذا غريب جدا. صارت الصراصير المنزلية بعد اللعب في جيناتها بالتغيير والتبديل أكلات لحوم . وهذا كان مؤشر خطير لهذا الاتجاه في هندسة الوراثة حيث من الممكن الوصول الي انتاج سلالات من كائنات خطيرة جدا ومن الممكن عدم السيطرة عليها.

داعبت هذه الافكار خيال الادباء والمنتجين وكتاب السيناريو في هوليوود. فظهرت أفلام رعب وافلام خيال علمي وفانتازيا تغذي فكرة وجود كائنات خرافية أو زواحف ضخمة مثلا أو وحوش مفترسة لا يمكن السيطرة عليها اطلاقا ومهاجمتها لبني البشر. زيارة واحدة منك لأي موقع الكتروني لأفلام الالفية الجديدة ستجدها غنية جدا بأفلام من هذه النوعيات.

ولأن العلم لا يتوقف ولا ينتبه كثيرا لانذارات الطبيعة واحدة تلو الاخرى .أكمل العلماء المسيرة وبحثوا في امكانية استغلال بعض الجينات في انتاج أمصال وأدوية حديثة وبالفعل تمكنوا من انتاج الانسولين البشري لأول مرة باستخدام الهندسة الوراثية. وتوصلوا الى كثير من الادوية الحديثة. ولكن وللاسف نتيجة سيطرة الشركات الكبرى على البحث العلمي نفسه ونتيجة للتكلفة العالية للابحاث ظلت هذه الادوية غالية الثمن جدا ولا تتوفر بسهولة في الدول الفقيرة.

[image src=”http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/d/dc/Dollyscotland_%28crop%29.jpg/619px-Dollyscotland_%28crop%29.jpg” width=”200″ height=”100″ title=”النعجة دوللي” lightbox=”yes” align=”right” float=”right”]

ومع قدوم الألفية الجديدة وبدايات القرن الواحد والعشرين دخل البحث العلمي في مجال الجينات مرحلة أصعب وأخطر ألف مرة وهي العمل مباشرة في جينات الحيوانات التي لم ينالها الحظ سابقا. ومع استمرار البحث في هذا المجال وكسرا لكل المحاذير الاخلاقية والعلمية ظهرت في العالم عملية “الاستنساخ” وظهرت النعجة دوللي. في مقالنا القادم سنشرح لكم بشكل مبسط ما هو الاستنساخ وماذا يتوقع اذا تمكن الباحثون من الوصول الى أول جنين بشري مستنسخ.

 يتبع

عن د.محمد سرور

كاتب علمي منذ عام 2005, يهوى الكتابة العلمية وفي مجال الفضاء والطب والعلوم. هواياته المفضلة القراءة,الكتابة,الموسيقي,الانترنت,السفر.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .

عشرين − ستة عشر =